حقوق الإنسان في 2025.. وسط الانتهاكات تبرز إنجازات إنسانية عالمية في عام مضطرب

حقوق الإنسان في 2025.. وسط الانتهاكات تبرز إنجازات إنسانية عالمية في عام مضطرب
احتجاجات ضد انتهاكات حقوق الإنسان- أرشيف

لم يكن عام 2025 عاماً مثالياً من منظور حقوق الإنسان، بل اتسم بتناقض حاد بين اتساع رقعة الانتهاكات في مناطق عديدة من العالم، وظهور تطورات إيجابية لافتة في دول أخرى، ففي الوقت الذي تعرض فيه المدنيون في مناطق الحروب والنزاعات لمخاطر جسيمة، لم تكن المناطق الأكثر سلماً بمنأى عن التراجع الحقوقي، حيث واجهت الحريات الأساسية تهديدات متزايدة حتى في دول لا تشهد صراعات مسلحة.

وكشف تقرير بثته شبكة "دويتش فيله" الثلاثاء، أنه خلال عام 2025، تعرض متظاهرون مناهضون للحكومات في دول مثل صربيا وتنزانيا ونيبال للملاحقة والاضطهاد، وجرى تقييد وصولهم إلى المعلومات وحقهم في التعبير السلمي، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تم تعليق أو إيقاف إجراءات تهدف إلى تعزيز المساواة لأسباب سياسية، ما أثار جدلاً واسعاً حول مستقبل الحقوق المدنية.

وفي تركيا شهد العام عزل واعتقال عدد من السياسيين المنتخبين ديمقراطياً، في خطوة اعتبرها مراقبون تقويضاً لإرادة الناخبين، أما في المجر وكازاخستان، فقد سُجل تقليص لحقوق الأقليات الجنسية، ضمن سياسات وصفت بأنها تراجعية وتمييزية. 

ورغم هذا المشهد القاتم، لم يكن عام 2025 خالياً من التطورات الإيجابية، فقد شهدت عدة دول حول العالم خطوات تشريعية وسياسية اعتبرت إنجازات ملموسة في مسار حماية الحقوق والحريات، وفيما يلي خمسة نماذج بارزة تعكس هذا التقدم:

تجريم قتل النساء

في إيطاليا تصدر ملف العنف ضد النساء واجهة النقاش العام بعد أرقام صادمة كشفها مكتب الإحصاء الوطني الإيطالي، حيث قُتلت 106 نساء خلال عام 2024؛ فقط لكونهن نساءً، وغالباً على يد شركائهن أو شركائهن السابقين أو أقاربهن، وهذا الواقع دفع قطاعات واسعة من المجتمع الإيطالي إلى المطالبة بتحرك حاسم.

وخلال السنوات الأخيرة جرى تخصيص موارد إضافية لملاجئ النساء ومرافق الحماية، إلى جانب الترويج لخطوط هاتفية ساخنة وإطلاق حملات توعية وطنية. وفي 25 نوفمبر، تزامناً مع اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، أقر البرلمان الإيطالي قانوناً تاريخياً يعد قتل النساء جريمة جنائية مستقلة يعاقب عليها بالسجن المؤبد.

كما شمل القانون تشديد العقوبات على جرائم أخرى مرتبطة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، مثل الملاحقة والاعتداءات الرقمية المعروفة بالانتقام الإباحي، في خطوة تهدف إلى توفير حماية قانونية شاملة للنساء.

حظر زواج القاصرات 

لا يزال زواج القاصرات يمثل أحد أخطر التهديدات التي تواجه الفتيات حول العالم، ووفقاً لمنظمة “فتيات لا زوجات” غير الحكومية يتم تزويج 12 مليون فتاة دون سن 18 عاماً سنوياً، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى حرمانهن من التعليم وإجبارهن على الإنجاب في سن مبكرة.

حتى فبراير 2025 كانت 54 بالمئة من دول العالم تسمح بزواج الأطفال في ظل استثناءات قانونية مثل موافقة الوالدين أو القضاء، وفقاً لليونسكو، لكن هذا الواقع بدأ يتغير في بعض الدول.

في كولومبيا جرى سد الثغرات القانونية التي كانت تسمح بزواج القاصرات، في حين فرضت بوليفيا في سبتمبر حظراً تاماً على زواج الأطفال، بعد أن أظهرت بيانات أن 22 بالمئة من الفتيات هناك كن يُجبرن على الزواج قبل سن 18 عاماً، وينص القانون البوليفي الجديد على عقوبات جنائية تطول موظفي السجل المدني والأزواج البالغين المخالفين.

كما اتخذت البرتغال والكويت وغرينادا خطوات مماثلة لإغلاق ثغرات قانونية، في حين حددت بوركينا فاسو سن 18 عاماً حداً أدنى للزواج، رغم استمرار الجدل حول إمكانية وجود استثناءات قضائية.

التعليم المجاني 

في مجال الحق في التعليم، شهد عام 2025 خطوات مهمة في دول ذات أوضاع اقتصادية متباينة. ففي مالاوي، إحدى أفقر دول العالم، كانت القيود الاقتصادية تحد بشكل كبير من قدرة الأطفال على مواصلة التعليم بعد المرحلة الابتدائية المجانية والإلزامية.

وفي ديسمبر، أعلنت الحكومة عن إصلاح شامل يقضي بإلغاء الرسوم المدرسية للمرحلة الثانوية اعتباراً من بداية عام 2026، مع تكفل الدولة بتكاليف الامتحانات النهائية، ورغم بقاء عبء الكتب والزي المدرسي على العائلات، لاقى القرار ترحيباً واسعاً باعتباره خطوة نحو عدالة تعليمية كبرى.

وفي فيتنام، دخل قرار إلغاء الرسوم المدرسية للمدارس الحكومية حيز التنفيذ في سبتمبر 2025، بعد أن كانت بعض المراحل التعليمية تتطلب رسوماً إلزامية. وحتى في اليابان، إحدى أغنى دول العالم، تم في العام نفسه إلغاء جميع الرسوم المدرسية للمدارس الثانوية، ومنها تلك التي كانت تفرض على العائلات الثرية.

باكستان وحماية الأقليات

في باكستان، حيث يُعد الإسلام الدين الرسمي وتشكل الأقليات الدينية نسبة صغيرة من السكان، عاد ملف حقوق الأقليات إلى الواجهة، فمنذ عام 2014 طالبت المحكمة العليا بتشكيل لجنة وطنية مستقلة لحماية الأقليات الدينية، إلا أن التنفيذ تعثر لسنوات بسبب الخلافات السياسية.

وخلال عام 2025 أُعلن أخيراً عن خطوات عملية لتفعيل هذه اللجنة، في محاولة لمعالجة الانتقادات المستمرة بشأن ضعف حماية المسيحيين والهندوس والسيخ وغيرهم، وسط آمال حذرة بأن يشكل ذلك بداية مسار مؤسسي أكثر جدية في هذا الملف.

يعكس المشهد الحقوقي العالمي في عام 2025 حالة من التذبذب الواضح بين التراجع والتقدم، ففي حين تتصاعد النزاعات المسلحة وتزداد القيود على الحريات في عدد من الدول، تواصل مجتمعات أخرى الدفع نحو إصلاحات قانونية تعزز حقوق النساء والأطفال والأقليات، وتوسع نطاق المساواة والحق في التعليم، ويؤكد هذا التباين أن حقوق الإنسان لم تعد مساراً خطياً، بل ساحة صراع مفتوحة تتأثر بالسياسة والاقتصاد والضغط المجتمعي، حيث يمكن للانتكاسات أن تتعايش مع إنجازات مهمة تشكل بذوراً لتغيير أوسع في المستقبل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية